https://s-a-l-a-m.blogspot.com/2020/08/blog-post_74.html
سبق القول أن سورة البقرة هى أطول سورة بالقرآن (286 آية) وأنها سورة شاملة تتناول مايخص العقيدة (توحيد-رسالة-"قيامةوبعث وحساب") وكذلك تنظم قطاعات متعددة من حياتنا (معاملات) --وبإيجاز :
سورة البقرة تتناول أصول الدين النظرية والعملية
وتضمنت السورة كثيرا من الأحكام حتى أنها زادت فى أحكام للنساء- عن سور أخرى كالنساء والطلاق
لدرجة أن هناك من أطلق على سورة البقرة (سورة النساء الكبرى)
والأخرى"النساء" (سورة النساء الصغرى) إذ عنيت الأولى – بدرجة أكبر- بحقوق النساء
..... وقد اهتم الصحابة رضى الله عنهم بسورة البقرة حتى أن عبد الله بن عمر -رضى الله عنهما-أمضى ثمانى أعوام فى الإلمام بفرائضها وأحكامها والعمل بها مع حفظه لها
وكان يفضّل للولاية من يحفظ سورة البقرة
وسورة البقرة "مدنية" باتفاق الأقوال أى نزلت
بعد الهجرة من مكة للمدينة المنورة ومع بدء التأسيس للدولة الإسلامية
وكشأن القرآن الكريم نزل منجما ليناسب مشكلات وأوضاع
جديدة أو إجابة الأسئلة المتفرقة المثارة تباعا
وكأمر طبيعى ، كانت الأحكام المنزلة شيئا جديدا يحتاج للفهم
فأما المسلمون الصادقون فقد أذعنوا لما نزل وكانت القاعدة "سمعنا وأطعنا"
(وماكان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ...)الأحزاب 36
وأما غير ذلك خاصة اليهود وغيرهم فدأبهم الشك
واللغط والتساؤل - (الجدل/لجاجة القول) !
وكانت القاعدة عندهم "سمعنا وعصينا "
وكان أكثر ما أثاروه - وربما بترتيب الأحداث-
ثلاثة موضوعات :
أولا :نسخ آيات من القرآن وإبدالها بغيرها :
وذلك - كما وضحت الآيات - إما لحكم أفضل/ أيسر أو بالمثل-
"...نأت بخير منها أو مثلها..." البقرة 106
والإبدال (النسخ )هو لحكمة يعلمها الله ( والله عليم حكيم)
- ويلاحظ أن النسخ كان فى التشريع وليس العقيدة ،
فالعقيدة ثابتة ، ونسخ وتغيير الآيات -فى غير العقيدة- كان مراعاة لحال المكلفين
ومعلوم أن الله سبحانه مطلق العلم وهو الخالق الخبير بحال خلقه واقتضت حكمته ذلك النسخ وليكون ابتلاء لمعرفة الصادق الطائع من العاصى
وليتعلم العباد كيف يتخذون الملائم من الأمور
ومن أمثلة الآيات المنسوخة مانصت على أن عدة المرأة المتوفى عنها زوجها هى عام كامل – وكانت المرأة تلاقى فيه من العنت والعذاب الكثير ؛ فكانت تُحبس فى مكان ردىء يسمى "الحفش" ،
وتم إبدال هذا الحكم بنسخ العمل بالآية بآية أخرى قررت عدة المرأة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ( آية 234 البقرة)
--- وحال التخفيف رحمة بالعباد (بنسخ آيات) مشابه لما نزل بالتدريج فى تحريم الخمر
(يا أيها الذين آمنوا لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى .....) 43 النساء
ثم (..... فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) المائدة 90
2- تغيير القبلة إلى المسجد الحرام :
فى البدء كانت القبلة فى الصلاة نحو بيت المقدس (ظلت هكذا 16
أو 17 شهرا) ثم حولها الله إلى البيت الحرام
إذ نزل قوله تعالى :
"...فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما
كنتم فولوا وجوهكم شطره " البقرة
144
وعند تحويل القبلة إلى المسجد الحرام بمكة ؛ تهلل المشركون وقالوا أن محمدا – صلى الله
عليه وسلم- رجع إليهم
ومنهم من حكم بعدم ثبات هذا الدين وأنه يتبع
الهوى
ولكن حقيقة الأمر أن هذا كان ابتلاء وليعلم
الله الصادق الطائع من غيره
( ...... إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ) البقرة 143
3- الطواف بين الصفا والمروة :
كانت قريش (مشركو مكة) يضعون على الصفا صنما اسمه (إساف) ، وعلى المروة صنما اسمه (نائلة) وكانوا يعبدون الصنمين من دون الله ويطوفون بينهما وويمسحون عليهما
ولما جاء الإسلام كره المسلمون السعى بين الصفا والمروة وتحرجو اورغم كسرهم الصنمين
- قال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما :
"كنا تكره الطواف بين الصفا والمروة لأنهما كانا من شعائر
قريش فى الجاهلية فتركناه فى الإسلام "
فأنزل الله الآية التالية التى أكدت تحليل السعى بين الصفا والمروة وأنه من شعائر الله
"إن الصفا والمروة ممن شعائر الله فمن
حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما والله شاكر عليم" 158
سورة البقرة
تأخذ بيد الإنسان وتعلمه وتعرفه مالم يعرف
عن نفسه والكون
فوردت قصة أب البشر " آدم"-عليه السلام- والجنة سكن آدم
وحواء الأول وخروجهما منها - والملائكة – وإبليس (الشيطان) وكونه عدوا للإنسان
يدفعه للشر وسبب لإخراج آدم من الجنة
وتخبر سورة البقرة بأنواع البشر الثلاثة
(مؤمن وكافر ومنافق)
وتخبر عن الخيروأنواعه ( ليس البر أن تولوا وجوهكم
قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر وآتى المال على حبه
........) 177
وتخبر عن الشر وأساسه الشيطان الذى بدأ
عصيانه برفض مراد ربه بجعل الإنسان خليفة لله ، واختارأن يستمر فى إغراء البشر بمعصية الله –
رغم أن كيده كان ضعيفا كما أخبر الله فى قرآنه الكريم –
وبين لنا الله تعالى ضرورة أن ندحر الشيطان (لأنه عدو)
و أن نستعيذ بالله من الشيطان .
-- آيات سورة البقرة رسمت للإنسان طريق الفلاح وهو {الإسلام} وأساسه الإيمان بالغيب ...- إرجع لما سبق-
وبينت الآيات (المنهج) أو الوسائل
الواجب اتباعها:
أولا : عبادة الله الخالق
*** يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ) 21
"وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " 163
وبينت الآيات بعدها الحجج والأدلة من
آيات خلق الكون والكتاب المعجز –القرآن- وتحدت البشر أن يأتوا بسورة –من مثله-
***
ولجأت الآيات إلى الترهيب والترغيب وأشارت لعذاب النار ونعيم الجنة –آية
25-
والعبادة تعنى(الطاعة الخالصة)-وطاعة الله -الخالق وحده-المستحق العبادة وحده ، تعنى أيضا موافقة الفطرة والراحة والاطمئنان ، والعزة : فلا سجود إلا له تعالى ولا خوف من أحد سواه
والعبودية لله تعنى الإيمان بدينه (والإيمان هو ماوقر فى القلب وصدقه العمل) - تعنى الطاعة الخالصة لله فى أوامره ونواهيه ،وإفعل ولاتفعل .
إن طريق الله ودينه هو الخير للإنسان :
ينظم حياة المؤمن ويرشده إلى الطريق الصحيح ليوفر عليه مجهودا ووقتا وتخبطا وحيرة فى الضلال
دين الله هو"الهدى" ؛ يهدى إلى الطريق القويم - طريق المتقين المفلحين - الفائزين فى الدنيا والآخرة .
ثانيا :
دوام ذكرالله والثبات على طريقه وشكر نعمه(قولا وعملا)
"فاذكرونى أذكركم واشكروا لى ولا تكفرون " 152
، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم / آية 151
ثالثا :
الاستعانة بالصبر والصلاة
"ياأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين" آية 153
فالصبر خلق يصل بصاحبه إلى تحقيق غاياته فلا ييأس ولا يضعف ويستمر مطمئنا خاصة وقد أخبره ربه سبحانه أنه مع الصابرين (يعينهم بعلمه وحكمته وقدرته المطلقة ويوفيهم حسن الجزاء على صبرهم وذلك فى الدنيا والآخرة)
كذلك الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتجعل المؤمن فى معية ربه مستقيما على طريقه (طريق المفلحين)
رابعا :
"ولاتقولوا لمن يُقتل فى سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون
" 154
" وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لايحب المعتدين " 190
خامسا :
الأخلاق : ألأخلاق أساس فى الإسلام
ولهذا كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قد بُعث ليتمم مكارم الأخلاق
وتتعدد مكارم الأخلاق وتشمل كل شئ
الآية 83 ........ & الآية 177 {الإيمان، إيتاء المال للمحتاجين ،والصلاة والزكاة،والوفاء بالعهد، والصبر،
(.......وقولوا للناس حسنا......)- ويلاحظ أن الأمر بإحسان القول هو للناس جميعا -
- الآية 178(آية القصاص) : "... فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم"
وعن الطلاق : الآية 231 "..... ولاتمسكوهن ضرارابر لتعتدوا...."
والآية 237"... ولاتنسوا الفضل بينكم....... "
وهكذا تكون الأخلاق فى كل شئ
سادسا :
الإحسان قيل أنه بمعنى أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
-- قيل هو الإخلاص وقيل "الإتقان" أى إتقان العمل
"بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون " 122
سابعا
صد الشيطان فعلى المؤمنين عدم الغفلة والتنبه لعمل الشيطان وأساليبه الماكرة المتتابعة "خطوات الشيطان" لأنه عدو للمؤمنين يأمرهم بالسوء والفحشاء وأن يقولوا على الله مالا يعلمون( أنظر الآية 169)
"يا أيها الناس كلوا مما فى الأرض حلالا طيبا ولاتتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين" 168
"الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم " 268
"يا يها الذين آمنوا ادخلوا فى السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين " 208
ثامنا
التوبة والدعاء : وليستمر المؤمن فى اتصاله بربه وعمل الطاعات وإذا ما أخطأ رجع إلى ربه وأناب
و هو (التواب الرحيم) 128 & (إن الله غفور رحيم ) 199
والله قريب
" وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دبين عوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون" 186
(والآية جاءت فى سياق الحديث عن الصيام وهو شديد الخصوصية بين العبد وربه العظيم، ولم ترد كلمة (قل)بعد "وإذا سألك عبادى عنى" فجاء الخبر بلا واسطة وإنما مباشرة من الله تعالى (فإنى قريب) ---- دلالة على شدة القرب )-- سبحان الله
تاسعا
معرفة طبيعة أهل الكتاب
" ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ......" 120
"الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون" 146
"ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شئ قدير" 148
عاشرا"
وبالآيات أمر للمؤمنين بالتمسك بكل تعاليم الدين وليس انتقاء بعضها دون بعض (كفعل أمة سابقة -إقرأ السورة)
ملحوظة هامة :
---يلاحظ أن (المنهج) فى الإسلام يعتمد على "الشمولية والتكامل"
فهذه أصلا طبيعة الإسلام وخصوصيته وتفرده وتميزه عن غيرة
ولابد من أخذ الدين كوحدة واحدة لأن كل مفردة (جزئية) تعتمد على الأخرى
مثلا :
- من الآية 177 التى عددت أنواع البر(الخير) وتلتها آيات أخرى كالقصاص والوصية والميراث والعبادات كالزكاة والصيام والحج
وقتال المعتدين والأيمان والزواج والطلاق وتحريم الخمر والميسروالإنفاق والأمر بترك الربا وتحريمه تحريما قاطعا والأمر بكتابة الدين وإثبات الحقوق لأصحابهاثر
كل هذا وكل ماورد فى سورة البقرة ومما نظمه دين الله - كله وحدة لا تتجزأ ويعتمد بعضها على بعض ويدعم بعضه بعضا فإذا تم إهمال البعض تأثر ما تم أخذه ولم تتحقق له كل الفائدة
هذا يصدق بالنسبة للفرد وبالنسبة للدولة أيضا
أمثلة :
التكافل الاجتماعى : يعتمد ويتأثربتنفيذ العبادات كالزكاة والكفارات فى الصيام واليمين وغيرهما ، وكذا الأمر بالصدقات & ويتأثر بالربا خاصة بالنسبة للضعفاء كالأرملة واليتامى --
النظام ( الأمن الاجتماعى): يتحقق مع حسن العلاقات بين الأفراد وتطبيق أحكام(التكافل) وأحكام الزواج والطلاق والميراث بالعدل وكذا كتابة المعاملات التجارية والإشهاد عليها ... الخ
وتحريم الخمر والميسرفلا تحدث تجاوزات واعتداءات.....